في خضم كل سنة هجرية جديدة، تُطل على
المسلمين مناسبة عزيزة وذكرى غالية محملة بالنفحات الدينية العطرة والنسمات
الروحية الزكية. ذكرى تدعو كلَّ ذي قلب سليم إلى التأمل العميق في سيرة رجل أُميٍّ
بدأ حياته راعيا للغنم وأنهاها قائدا للبشرية. رجلٌ فقد حنان والديه صغيرا فكسب حب
المسلمين كبيراً، رجل ازدراه الكفار والمشركون ولاقى منهم أذى كثيراً، فنصره الله
عليهم وأرسله رحمة للناس وسراجا منيراً. يتعلق الأمر برسول رب العالمين، وخاتم
الأنبياء والمرسلين، وسيد الخلق أجمعين، محمد صلى
الله عليه وسلم، الذي يخلد المسلمون في عدد من الدول العربية والإسلامية ذكرى
مولده الكريم في ثاني عشر ربيع الأول من كل سنة هجرية.
تاريخ مولد النبي
تتضارب الأقوال حول
التاريخ الدقيق لمولد الرسول صلى الله عليه وسلم. وليس غريبا اختلاف أهل العلم في
تحديد تاريخ مولده بالضبط، ولا عجيبا قلة المصادر المتوفرة في هذا الموضوع، فلا
أحد كان يعلم ما سيكون لهذا المولود من شأن في المستقبل، ولا أحد كان يتوقع ما سيصير
إليه هذا الوليد في تاريخ الكون والبشرية جمعاء. فقد ظل بعيدا عن الأضواء إلى حين
بعثته، وبقي مغمورا إلى أن جاءه الوحي في غار حراء، ليبدأ البحثُ والنبشُ في
تاريخه الشريف، من خلال رواياته الشخصية للأحداث التي عايشها في فترة نشأته
الأولى، ومن خلال ما رواه أهله وأصحابه والمقربون منه عن تلك الأحداث. وبناءً على
ذلك، فإن الشائع لدى أهل العلم أنه وُلد يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة 571
ميلادية التي وقعت فيها حادثة الفيل.
حُكم الإحتفال بالمولد
النبوي
انقسم أهل العلم في
مسألة جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بين من يرى فيها تعارضاً مع ما
جاء في الكتاب والسنة وأنها فعل مستحدث يدخل في باب البدع التي نهانا الرسول صلى
الله عليه وسلم عن إتيانها وأخبرنا أن عقوبتها النار، وبين من يرى فيها بدعة حسنة
لا تخالف الكتاب والسنة والإجماع، وأن لا حرج في الاحتفال بها لتذكُّر الرسول صلى
الله عليه وسلم واستحضار مساره الفكري والدعوي، واستكشاف سيرته النبوية العطرة.
ونسوق لكم فيما يلي آراء الفريقين وأبرز الحجج والدلائل المؤيدة والمعارضة
للاحتفال بهذه المناسبة الدينية.
رأي المؤيدين للاحتفال بالمولد النبوي
يستند المؤيدون للاحتفال بذكرى المولد النبوي على أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال
الصحابة. فمن القرآن الكريم يستدلون بقوله تعالى في سورة يونس: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما
يجمعون}. وبما أن النبي رحمة للعالمين، فلا حرج في الفرح والاحتفال به وبذكرى
مولده. ومن السنة النبوية يستدلون بما ورد عن النبي صلى الله عليه أنه سئل مرة عن
سبب صيامه يوم الاثنين فقال: لأني فيه ولدت. فإذا كان النبي نفسه يحتفل بيوم مولده
بالصيام، فما المانع من احتفال المسلمين به؟ ومن أقوال الصحابة يستدلون بقول سيدنا
عمر عندما جمع الناس لقيام
رمضان في المسجد رغم ترك النبي لذلك: "نَعِمَت البدعة". فهي
بدعة حسنة مادام الهدف منها تذكُّر النبي وسيرته والصلاة عليه وإطعام الطعام
وإخراج الصدقات.
رأي المعارضين للاحتفال بالمولد النبوي
يعتمد المعارضون للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على ما جاء
في بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والاجتهادات الفقهية، فمن القرآن الكريم
يستدلون بقوله تعالى في سورة
المائدة: {اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}. ويعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي من باب
الزيادة في الدين بعدما أكمله الله تعالى. ومن السنة النبوية يستدلون بقول النبي
في الحديث الذي رواه مسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار). ويشيرون إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أحدثها
الفاطميون بعده ولا أساس لها في الشرع. ومن الاجتهادات الفقهية يستدلون بما يراه
بعض العلماء والفقهاء من أن الاحتفال بمولد النبي فيه تشبه بالنصارى وهو من باب
الغلو في حب الرسول و مدحه، وقد يترتب عن ذلك فساد في الدين واختلال في العقيدة.
متى بدأ الاحتفال
بالمولد النبوي؟
من خلال التأمل في
السيرة النبوية وتاريخِ الصحابة والتابعين بعدهم، يبدو أن الاحتفال بذكرى المولد
النبوي الشريف لم يبدأ إلا في القرن الرابع الهجري مع ظهور الدولة الفاطمية في
مصر، ويتفق معظم العلماء والفقهاء على غياب مصدر إسلامي يشير إلى بدء الاحتفال
بذكرى المولد النبوي قبل هذا التاريخ. ويتأكد هذا القول بما نقله المقريزي في
مخطوطاته من أن الفاطميين هم أول من احتفل بهذه المناسبة واتخذوها عيداً ينضاف إلى
قائمة طويلة من الأعياد والمواسم التي كانوا يحتفلون بها، أبرزها أعياد الموالد
الستة وهي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
ومولد الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر.
تاريخ الاحتفال بالمولد
النبوي
من المعروف أن الكثير من الدول العربية والإسلامية لا تحتفل بذكرى
المولد النبوي الشريف في اليوم نفسه، لأن التقويم الإسلامي الذي يعتمد التأريخ
الهجري، لا يسمح بالمعرفة المسبقة والدقيقة للأيام التي توافق الاحتفال بالمناسبات
الدينية المختلفة كالمولد النبوي وعيد الفطر وعيد
الأضحى وأول
يوم من رمضان وغيرها. حيث تحتفل بعض
الدول بهذه المناسبات قبل دول أخرى أو بعدها بيوم أو يومين حسب الموقع الجغرافي
لكل بلد، وتبعا لتاريخ ظهور الهلال فيه أو عدم ظهوره.
بقلم: محمد رياض
المصدر :- http://ar.assabile.com/a/tarikh-aid-mawlid-annabaoui-22
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق