الأربعاء، 29 يونيو 2016

عبد الباسط اقطيط: رحلتي الى درنة


من القلب أحدثكم أسرد الحكاية بعفوية دون ديباجة أوتقديم وترتيب……….


بعد اتصالات متقطعة دامت بعض الوقت، عزمت على السفر، اتخذت قراري رغم اعتراض الكثيرين، قالوا لي انك ذاهب الى كهوف "تورا بورا" يلزمك فرقة حراسة مدججة بالأسلحة، بل ان هذا قد لا يكفي.. قالوا وزادوا ولم يزدني تحذيرهم إلا اصرارا على الذهاب وحيدا متسلحا بالإيمان بالله وبالقضاء والقدر وان ما يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
ذهبت الى المدينة التي تقع على مرمى البصر من مسقط رأسي "في الصفصاف"، كنت أعرف ما لا يعرفونه، أعرف بلدي وناسها، وأعرف درنة وأصالة أهلها.
كنت مصمما على المضى قدما فيما بدأته منذ أشهر عديدة من محاولة جادة لحقن الدماء، ووقف مسلسل العنف الذي فقدنا بسببه المئات من خيرة شبابنا وتمزق النسيج الاجتماعي بما خلفه العنف من عداء، وعاد كل ذلك على بلادنا بالدمار والتسيب والفساد وانهيار الخدمات.
عزمت وتوكلت ووصلت الى أرض الصحابة، وتزاحمت الذكريات في رأسي عن مدينة تفوح بعبير الياسمي، مدينة العلم والفنون والمبدعين، مدينة الجود والكرم والشجاعة والشموخ.. المدينة العصية على الطغاة على مر التاريخ، لا تقبل درنة الظلم.. لا ترضخ لمن جاءها غازيا، لكنها ترحب ومن القلب بكل من جاءها برسالة السلام والحب. ومن أجل السلام كانت رحلتي، ووجدت الترحيب في استقبالي..
فتح شباب مجلس الشورى قلوبهم واستضافوني في بيوتهم، وتعجز الكلمات عن وصف كرمهم وشهامتهم. جمعتنا حوارات عديدة ونقاش ساخن يبرد ليسخن، واندهشت من سعة اطلاعهم ومعرفتهم بأدق أمور السياسة.
بصراحة مطلقة تحدثت، أخبرتهم بكل الهواجس وبأنهم متهمون باختطاف درنة وقمع أهلها وقتل من يعارضهم أويعترض طريقهم، وكانت اجابتهم حاسمة أخذوني في جولة في انحاء المدينة لألمس بنفسي الأمن والأمان وكيف يمارس المواطنون حياتهم الاعتيادية في الشهر الكريم. مؤكدين ترحيبهم بكل زائر للمدينة. وتأكدت بما شاهدته من مظاهر ومؤشرات أن الحزن في طريقه الى الانسحاب وان درنة تستعيد ببطء بهجتها.
قالوا لقد حررنا درنة من الدواعش الذين عاثوا فيها فسادا، وأنهم ليبيون أبا عن جد تصدوا للقذافي ايام طغيانه وفقدوا العشرات من اخوتهم وأصدقاءهم، وشاركوا في ثورة فبراير، وأنهم يتمنون الخير لكل الليبيين، كل ما يريدونه ان تحكم بلادنا بشرع الله وفق صيغة يرتضيها الجميع بعد ان حكمها لأربعة عقود من لا يخاف الله.
قالوا الكثير وقلت انني بينهم تتويجا لجهود مضنية أجريت خلالها لقاءات مع شيوخ وأعيان من قبائل برقة ومع فعاليات سياسية متعددة، واجتمعت بمسؤولين اجانب من الدول المؤثرة في المشهد الليبي. وقلت ان الجميع موافق على مساعي السلام لتعود بلادنا آمنة مستقرة ويتوقف فيها حمام الدم ويتوقف تبديد الثروة لتسخر في البناء والتعمير.
قلت للأخوة من شباب مجلس الشورى انه ليس بالضرورة ان نكون متفقين على كل شئ ولكن هناك وسائل وأساليب وطرق لإدارة الخلاف بدون ان نتقاتل. تحدثت مذكرا بجهاد اباءنا وكيف كانوا يحلون مشاكلهم وخلافاتهم.
الحق ان جميعهم كانوا متفهمين ووصلت معهم الى اتفاق مؤقت على وقف اطلاق ألنار على ان يشمل وبأسرع وقت وخلال ايام معدودة مدينة بنغازي ومدينة إجدابيا. وقلت لهم ان جهودنا تستهدف تحقيق السلام في كل مدن ليبيا، بعد برقة سنركز على الجنوب ثم الغرب.
هاهي درنة تنعم اليوم بهدوء افتقدته طويلا ولا شك ان الفضل بعد الله يعود الى حكمة السيدين عقيلة صالح والفريق اول ركن خليفة حفتر وقيادات الجيش الذين تجاوبوا مع مبادرة وقف اطلاق النار ولومؤقتا كفرصة لحقن الدماء وتسوية الاوضاع سلميا واجتماعيا وعسكريا. ولاشك ايضا انه بدون تجاوب مجلس الشوري وحرصهم على ان يعم السلام وان تحقن دماء الليبين لم يكن لهذا الاتفاق ان يتحقق.
وقبل ان اختتم كلمتي أود ان اتقدم بتحية من القلب مقرونة بالامتنان والإعجاب الى جنود مجهولين ساهموا في هذا الانجاز التاريخي سيعرفهم الليبيون في المستقبل القريب وفي الوقت المناسب لينالوا ما يستحقونه من تكريم. وأؤكد ان الطريق ما زال طويلا، وان مسيرة السلام تحتاج الى تعاون كافة القبائل ومؤسسات المجتمع المدني وكل الفعاليات السياسية الوطنية.
اننا نبني سلما في وطننا ونواجه للأسف محاولات من قوى خارجية لا تريد لهذا البلد ان يستقر. وكلما حققنا خطوة الى الامام تدخلوا بطرق شتى لإفسادها.
بصراحة أقول بأنني لا أستطيع مواصلة العمل بمفردي وضمن فريق محدود.. ان تحقيق السلام يحتاج الى جهد جماعي.. يحتاج الى تعاون جميع الرجال الوطنيين الشرفاء الذين يضعون مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، رجال قادرون على التأسيس لمرحلة جديدة تبني على الامن والسلام.
وفي الختام ادعو جيران درنة من شحات والقبة وسوسة ومرتوبة وأم الرزم وكرسة وعين مارة وكل المناطق المجاورة لزيارتها، فهذه مدينتكم وهؤلاء اهلكم وأصهاركم.. يجب ان تعود الالفة لكسر حلقة العنف ومشاعر الكراهية لتتحول الى مشاعر الاخوة والجيرة والمحبة مثلما كانت على مر العصور.
زوروا درنة الآمنة، المدينة ترحب بكم، تحلون أهلا وتطؤون اقدامكم سهلا.. تجولوا في شوارعها، صافحوا رجالها وشبابها وأطفالها، زوروا أسواقها ومنتدياتها، تنسموا هواءها واستنشقوا عطر الورد والياسمين…  زوروا الشلال كيف زمان… انا على ثقة من ان الالفة ستعود والمحبة سترجع.. والله من وراء القصد.
عبد الباسط قطيط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق