الأربعاء، 29 يونيو 2016

زكاة الفطر



أحكام زكاة الفطر

شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وهي السَّنَّة نفسها التي فرض الله فيها صوم رمضان، ودليل مشروعيتها ثبت في السنة في أحاديث عدة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله...."، رواه مسلم. ومنها خبر ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" رواه أبو داود وغيره. وورد غير ذلك من الأخبار التي يفيد مجموعها وجوب صدقة الفطر على كل مسلم. 
الحكمة من مشروعيتهاوقد شرعت زكاة الفطر لحِكَمٍ عديدة منها: جبران نقص الصوم؛ فقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدم أنها (طهرة للصائم من اللغو والرفث) رواه أبو داود وغيره، قال بعض أهل العلم: زكاة الفطر كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم، كما يجبر سجود السهو نقصان الصلاة. 
ومنها إغناء الفقراء عن السؤال ففي الحديث السابق أنها: (طعمة للمساكين)، وإغناء الفقراء من المطالب التي دلت عليها كليات الشريعة ومقاصدها، فضلاً عما تؤدي إليه هذه الصدقة من التكافل بين المجتمع، والتراحم بين طبقاته، وشعور بعضهم ببعض. 
حكم زكاة الفطر تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) متفق عليه، قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض". وقال إسحاق: "هو كالإجماع من أهل العلم". 
ويشترط لوجوبها أمران: 
- الإسلام: فلا تقبل من الكافر لقوله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} (التوبة:54). 
- القدرة عليها: بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد عن قوته وقوت عياله ومن تلزمه نفقتهم وحوائجهم الأصلية من طعام وشراب ومسكن وملبس. 
وتجب على الوالد زكاة الفطر عن ولده الصغير إذا لم يكن له مال، وأما إن كان له مال، فتجب الزكاة في مال الصغير، ولا تجب في مال الأب على الصحيح. 
والجمهور على أنه يجب على الأب إخراجها عمن تلزمه نفقته، كالزوجة والوالدين؛ لحديث ابن عمر مرفوعاً: (أدوا الفطرة عمن تمونون) رواه الدار قطني وغيره، وفي إسناده إرسال، والصواب وقفه. 
والصحيح أن صدقة الفطر تجب على الزوجة بنفسها لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام:164). وكذلك الأبوين، كما أن الراجح من أقوال أهل العلم أن الدَّيْن ليس مانعاً من وجوب زكاة الفطر. 
وقت وجوب إخراجهاتجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر، فمن كان من أهل الوجوب حينئذ وجبت عليه وإلا فلا، فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب عليه، وإن مات بعده ولو بدقائق، وجب إخراج زكاته، ومن أسلم بعد الغروب فلا فطرة عليه، ولو ولد لرجل بعد الغروب، لم تجب فطرته، لكن يسن إخراجها عنه، بخلاف ما لو ولد له قبل الغروب، فإنه يجب إخراجها عنه. 
وأما وقت إخراجها فالأفضل أن تُخْرَج صباح العيد قبل الصلاة؛ لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -كما في البخاري-: "كنا نُخْرِجُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام..."، وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)؛ ولأن المقصود منها إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال، من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور. 
ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين؛ لما رواه البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطيها -أي صدقة الفطر- الذين يقبلونها، وكان يؤديها قبل الفطر بيوم أو يومين. 
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لغير عذر، فإن أخرها لغير عذر لم تقبل منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو دواد وغيره.
وأما إن كان التأخير لعذر، كأن يصادفه العيد في مكان ليس عنده ما يدفع منه، أو من يدفع إليه، أو يأتي خبر العيد مفاجئاً بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمداً على شخص في إخراجها، فينسى ذلك الشخص أن يخرجها، فله في هذه الحالة أن يخرجها ولو بعد العيد؛ لأنه معذور في ذلك كله. 
جنس الواجب وقدرهأما عن الجنس الواجب إخراجه فمن غالب قوت البلد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)، وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر" رواه البخاري
والقدر الواجب صاع من أي من هذه الأصناف، أو غيرها من الطعام، ويقدر بكيلوين وأربعين غراماً من البُرِّ، ومن غير البُرِّ بحسبه. 
وتدفع صدقة الفطر للفقراء والمحتاجين دون سائر مصارف الزكاة الثمانية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله، ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته، كما لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة. 
ويجوز دفع زكاة الفطر لفقير واحد، أو عدة فقراء، والأولى دفعها إلى الأقرباء الفقراء، الذين لا تجب نفقتهم على المزكي.

عبد الباسط اقطيط: رحلتي الى درنة


من القلب أحدثكم أسرد الحكاية بعفوية دون ديباجة أوتقديم وترتيب……….


بعد اتصالات متقطعة دامت بعض الوقت، عزمت على السفر، اتخذت قراري رغم اعتراض الكثيرين، قالوا لي انك ذاهب الى كهوف "تورا بورا" يلزمك فرقة حراسة مدججة بالأسلحة، بل ان هذا قد لا يكفي.. قالوا وزادوا ولم يزدني تحذيرهم إلا اصرارا على الذهاب وحيدا متسلحا بالإيمان بالله وبالقضاء والقدر وان ما يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
ذهبت الى المدينة التي تقع على مرمى البصر من مسقط رأسي "في الصفصاف"، كنت أعرف ما لا يعرفونه، أعرف بلدي وناسها، وأعرف درنة وأصالة أهلها.
كنت مصمما على المضى قدما فيما بدأته منذ أشهر عديدة من محاولة جادة لحقن الدماء، ووقف مسلسل العنف الذي فقدنا بسببه المئات من خيرة شبابنا وتمزق النسيج الاجتماعي بما خلفه العنف من عداء، وعاد كل ذلك على بلادنا بالدمار والتسيب والفساد وانهيار الخدمات.
عزمت وتوكلت ووصلت الى أرض الصحابة، وتزاحمت الذكريات في رأسي عن مدينة تفوح بعبير الياسمي، مدينة العلم والفنون والمبدعين، مدينة الجود والكرم والشجاعة والشموخ.. المدينة العصية على الطغاة على مر التاريخ، لا تقبل درنة الظلم.. لا ترضخ لمن جاءها غازيا، لكنها ترحب ومن القلب بكل من جاءها برسالة السلام والحب. ومن أجل السلام كانت رحلتي، ووجدت الترحيب في استقبالي..
فتح شباب مجلس الشورى قلوبهم واستضافوني في بيوتهم، وتعجز الكلمات عن وصف كرمهم وشهامتهم. جمعتنا حوارات عديدة ونقاش ساخن يبرد ليسخن، واندهشت من سعة اطلاعهم ومعرفتهم بأدق أمور السياسة.
بصراحة مطلقة تحدثت، أخبرتهم بكل الهواجس وبأنهم متهمون باختطاف درنة وقمع أهلها وقتل من يعارضهم أويعترض طريقهم، وكانت اجابتهم حاسمة أخذوني في جولة في انحاء المدينة لألمس بنفسي الأمن والأمان وكيف يمارس المواطنون حياتهم الاعتيادية في الشهر الكريم. مؤكدين ترحيبهم بكل زائر للمدينة. وتأكدت بما شاهدته من مظاهر ومؤشرات أن الحزن في طريقه الى الانسحاب وان درنة تستعيد ببطء بهجتها.
قالوا لقد حررنا درنة من الدواعش الذين عاثوا فيها فسادا، وأنهم ليبيون أبا عن جد تصدوا للقذافي ايام طغيانه وفقدوا العشرات من اخوتهم وأصدقاءهم، وشاركوا في ثورة فبراير، وأنهم يتمنون الخير لكل الليبيين، كل ما يريدونه ان تحكم بلادنا بشرع الله وفق صيغة يرتضيها الجميع بعد ان حكمها لأربعة عقود من لا يخاف الله.
قالوا الكثير وقلت انني بينهم تتويجا لجهود مضنية أجريت خلالها لقاءات مع شيوخ وأعيان من قبائل برقة ومع فعاليات سياسية متعددة، واجتمعت بمسؤولين اجانب من الدول المؤثرة في المشهد الليبي. وقلت ان الجميع موافق على مساعي السلام لتعود بلادنا آمنة مستقرة ويتوقف فيها حمام الدم ويتوقف تبديد الثروة لتسخر في البناء والتعمير.
قلت للأخوة من شباب مجلس الشورى انه ليس بالضرورة ان نكون متفقين على كل شئ ولكن هناك وسائل وأساليب وطرق لإدارة الخلاف بدون ان نتقاتل. تحدثت مذكرا بجهاد اباءنا وكيف كانوا يحلون مشاكلهم وخلافاتهم.
الحق ان جميعهم كانوا متفهمين ووصلت معهم الى اتفاق مؤقت على وقف اطلاق ألنار على ان يشمل وبأسرع وقت وخلال ايام معدودة مدينة بنغازي ومدينة إجدابيا. وقلت لهم ان جهودنا تستهدف تحقيق السلام في كل مدن ليبيا، بعد برقة سنركز على الجنوب ثم الغرب.
هاهي درنة تنعم اليوم بهدوء افتقدته طويلا ولا شك ان الفضل بعد الله يعود الى حكمة السيدين عقيلة صالح والفريق اول ركن خليفة حفتر وقيادات الجيش الذين تجاوبوا مع مبادرة وقف اطلاق النار ولومؤقتا كفرصة لحقن الدماء وتسوية الاوضاع سلميا واجتماعيا وعسكريا. ولاشك ايضا انه بدون تجاوب مجلس الشوري وحرصهم على ان يعم السلام وان تحقن دماء الليبين لم يكن لهذا الاتفاق ان يتحقق.
وقبل ان اختتم كلمتي أود ان اتقدم بتحية من القلب مقرونة بالامتنان والإعجاب الى جنود مجهولين ساهموا في هذا الانجاز التاريخي سيعرفهم الليبيون في المستقبل القريب وفي الوقت المناسب لينالوا ما يستحقونه من تكريم. وأؤكد ان الطريق ما زال طويلا، وان مسيرة السلام تحتاج الى تعاون كافة القبائل ومؤسسات المجتمع المدني وكل الفعاليات السياسية الوطنية.
اننا نبني سلما في وطننا ونواجه للأسف محاولات من قوى خارجية لا تريد لهذا البلد ان يستقر. وكلما حققنا خطوة الى الامام تدخلوا بطرق شتى لإفسادها.
بصراحة أقول بأنني لا أستطيع مواصلة العمل بمفردي وضمن فريق محدود.. ان تحقيق السلام يحتاج الى جهد جماعي.. يحتاج الى تعاون جميع الرجال الوطنيين الشرفاء الذين يضعون مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، رجال قادرون على التأسيس لمرحلة جديدة تبني على الامن والسلام.
وفي الختام ادعو جيران درنة من شحات والقبة وسوسة ومرتوبة وأم الرزم وكرسة وعين مارة وكل المناطق المجاورة لزيارتها، فهذه مدينتكم وهؤلاء اهلكم وأصهاركم.. يجب ان تعود الالفة لكسر حلقة العنف ومشاعر الكراهية لتتحول الى مشاعر الاخوة والجيرة والمحبة مثلما كانت على مر العصور.
زوروا درنة الآمنة، المدينة ترحب بكم، تحلون أهلا وتطؤون اقدامكم سهلا.. تجولوا في شوارعها، صافحوا رجالها وشبابها وأطفالها، زوروا أسواقها ومنتدياتها، تنسموا هواءها واستنشقوا عطر الورد والياسمين…  زوروا الشلال كيف زمان… انا على ثقة من ان الالفة ستعود والمحبة سترجع.. والله من وراء القصد.
عبد الباسط قطيط