يروى عن الفيلسوف سقراط أنه كان في جلسة روحية مع
عدد من طلابه يتناقشون حول قضية من القضايا، وجاء أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو
بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه سقراط مطولاً، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت
مثلاً .. تكلم حتى أراك.
وهي جملة من ثلاث كلمات فقط، لكنها حوت معاني ودلالات عظيمة جداً، خصوصاً
أنها أتت للتعامل مع فئة موجودة بلا شك في أي مجتمع وبمسميات عديدة، ويراها الكثير
في حياتهم ومواقفهم اليومية، بل إنني وجدت في حياتي منها الكثير.
الكلام مهم جداً لسبر أغوار من هو أمامك، سواء من تصدر لحديث أو تحدث للتصدر
أو حتى ناقش قضية مهمة يراها الكثير باباً لحلول مهمة في الحياة العامة والشخصية،
فترى الشكل فيعجبك، وترى الزهو فتتمنى أن يكون لك حظ منه، لكنه عندما يبدأ الكلام
فإنك تتمنى بأنك غائب اليوم في بيتك، أو نائم في فراشك، أو حتى كاره للثقافة
والعلم وفنون الكلام، فتنظر إليه لتكمل له ما قاله سقراط لذلك الشخص، لكنك تمتنع
فليس المقام مقام معركة خاسرة لن تستفيد منها شيئاً.
إن من سمات الشخصية الناجحة غالباً أن يترادف الكلام مع الشكل الخارجي
للإنسان، وقد نتفاجأ أحياناً بالشكل الخارجي البسيط الذي يحوي بداخله شخصية آسرة مثقفة
تتكلم بكل إسهاب، وتناقش بكل ثقة حتى ولو كان حظها من التعليم الأكاديمي بمثل حظ
والدتي، حفظها الله، فتحترمه لأن الكلام مرآة حقيقية للإنسان مهما كان الشكل
براقاً من الخارج، فالأهم البضاعة الحقيقية التي تستطيع أن تكسب بها تجارتك.
كثير من المثقفين في وسطنا الثقافي والإعلامي يبهرونك بما يكتبون، فهم مثقفون
حتى النخاع وكتاب للروايات وغزاة لوسائل التواصل الاجتماعي، وتجدهم مدعوين
باستمرار للندوات الثقافية والتلفزيونية، وعندما يبدأون بالكلام تتمنى لو أن الأرض
تنشق فجأة وتبتلعك أنت أو تبتلعهم هم، وتتمنى لو تستطيع أن تشاهدهم بزر الصمت
التام.
قيل، إن كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب، وليت بعض قومي (المتصدرين)
يدركون هذا المثل ودلالته اللفظية والمعنوية، لعل البعض منهم يعرفون حجمهم
الحقيقي، وخير الكلام ما قل ودل.